مقدمــــــــــة:
لقد اهتم المربون في الآونة الأخيرة اهتماما خاصا بموضوع التقويم بكل أنواعه؛ التقويـم التشخيصي و التكويني و التحصيلي. لما له من الأثر البالغ على العملية التربوية بأكملها فهــــو الذي يـــــــــحدد الأسس و المنطلقات المنهجية لأي عمل تربوي هادف فيكشف النقائص و يعالــــــــج السلبيات و يدعم المكتسيات و يدفع إلى الإبداع .
حول معني التقويم :
1. منجد اللغة و الأعلام :
قوم الشيء أي عدله و أزال اعوجاجه.
2. القاموس الفرنسي le robert :
قوم يعني بحث بدقة أو بارتياب عن القيمة أو الثمن
3. مدرسة كندية :
التقويم يعني إصدار الحكم على القيمة الموافقة لنتيجة قياس ما، و إعطاء معنــــــى لهذه النتيجة بالنسبة لإطار مرجعي ( معيار ، سلم قيم ، .....)
4. بعض علماء التربية في المدرسة الفرنسية :
عملية التقويم تعني النظر إلى التلاؤم بين جملة من المعلومات و جملة من المعايير المحكمة و المناسبة لهدف محدد و ذلك قصد اتخاذ قرار أو إجراء .
و المتداول في مدارسنا مصطلحان شائعان و مستعملان بكثرة للـــــــــــــدلالة على العملية التقويمية و هما : "التقويم" و " التقييم " و كثيرا مــــــا يطرح التساؤل : ما هو الفرق بينهما ؟
و دون أن ندخل في نقاش واسع قد يقود إلى الاختلاف و عملا بالقول "خطأ شائـــع أحســـن مــن صحيح مهجور" يمكننا أن نوضح هنا الاختلاف بين المصطلحين بما هو شائع. فالتقييم يقصد به التثمين، أما التقويم فزيادة على ما نقوم به في العملية التقييمية يجب أن نضبط في النهاية مخططا يرجى منه تعديل الاعوجاج و نزع الخاطئ أو إصلاحه ، و تدعيم الحسن الصحيح . و بالتالي يصبح التعريف النسبي للتقويــــم بالنسبــــــة للتقييم كالآتي:
التقويم = التقييم + اتخاذ إجراءات تحسينية تضبط على ضوء نتيجة العملية التقييميـــــة و مقارنتها بالمعايير المناسبة لأهداف العملية المقومة .غير أننا سوف نعتمد فيما سيأتي مصطلــــــحا واحدا هو "التقويم " و ذلك لسببين هما :
5. مصطلح التقويم أشمل من مصطلح التقييم و هو المفهوم الذي يحتاجه المربي في التربية و التعليم
6. تفاديا للإكثار من المصطلحات التربوية الذي قد يقود إلى تشويش حول المنتظـــــــر من العملية التقويمية .
إن التقويم في التربية و التعليم له أهمية بالغة في أي منظومة تربوية ، فهو الـــذي يجعلها قادرة على مواجهة كل العقبات التي تعيق طريقها في تحقيق الغايات المرجــــوة منها ، و تكوين المواطن الذي يواكب عصره ، خاصة و نحن نعلم أن كل مجـــــــالات الحياة تشهد تزايدا سريعا في المعارف ، و المنظومة التربوية من واجبها مســــايرة هذا التطور حتى لا تنقطع على المجتمع .
ضرورة التقويم التربوي :
يمكننا اعتبار الفعل التربوي الذي يمارسه المعلم باستمرار داخل قسمه ، كمؤسســــة تغيير تنقل المتعلم من الحالة (أ) إلى الحالة (ب) بإكسابه قدرات وكفاءات جديدة تضاف إلى قدراته و كفاءاته القبلية. و المعلم داخل هذه المؤسسة يلعب دور الوسيط في التغيير المرجو بإشرافه على سيرورة الفعل التربوي
فمن الطبيعي جدا أن يتساءل المعلم عن نجاح مؤسسته ، الشيء الذي يقوده إلى التقويم .
و التقويم من شأنه أن يعطي للمعلم معلومات تمكنه من مراقبة فعاليته و توجيه تدخـــــــــلاته المستقبلية أثناء الفعل التربوي ، كذلك يعطي التقويم للتلميذ معلومات تمكنه من تحديد بعـــــده أو قربه من الهدف و منه تنظيم نشاطه و عمله الفردي ، عموما يمكننا القول أن عملية التقويــم تبدأ بالتساؤل : ــ إلى أي حد تحقق الهدف المحدد مسبقا في بداية الفعل التربوي؟
وظائف التقويم :
1 ـ توجيه التعلمات ، أي تقيم الكفاءات المكتسبة انطلاقا من تشخيص الصعوبات و معالجتها لضمن حسن الانطلاقة في عملية البناء التدرجي .
2 ـ تعديل و تحسين تطوير التعلمات ، و هذا بعلاج الصعوبات التي تتخلل المسار التعلمي.
3 ـ إشهاد التعلمات ،أي تحديد مدى اكتساب التلميذ للكفاءات الدنيا التي تسمح له بمواصلة التعليم في السنة الموالية .
ارتباط التقويم بأهداف المنهاج :
التقويم مرتبط بالأهداف التي رسمت من قبل في المنهاج ، لتحقيق الغايات المنشودة ، بهذا المعنى ، فالتقييم يجب أن يكون مرتبطا بالأغراض التي نرجوها منه ، فمثلا إذا كان المنهاج يرمي بث قيم الجمال و النظافة و قيم التسامح و حب فعل الخير، كان تقويمنا منصبا على مدى تعاون التلاميذ فيما بينهم في المدرسة داخل الحجرات أو في فناء المدرسة .
أو إذا كان المنهاج يركز على تدريب المتعلمين ، على قراءة و رسم صور فنية مرئية تعبيرية ، كان تقويمنا مرتبطا بمدى استعداد المتعلمين من هذه الناحية . و لذا فالتقويم مرتبط بالأهداف التي نص عليها المنهاج ، وفق الأسس التي يتطلب مراعاتها في عملية التقويم .
و ليشمل التقويم جميع جوانب التلميذ فلا يقتصر على ما قد حصله التلميذ من معلومات ، أو مدى ما تدرب عليه من مهارات و إتقان أداءاته العملية ، بل تقويما يقيس هذه الجوانب و غيرها من جوانب شخصية التلميذ . و بخاصة ذلك الجانب الذي يتصل بسلوكه و مدى التعديل الذي قد طرأ عليه ، لأن المنهاج بصورته السليمة لا يهدف إلى العناية بجانب دون الجانب الآخر ، و بعبارة أخرى ليشمل التقويم كل أبعاد شخصية التلميذ :
ـ ففي البعد المعرفي يتطلب قياس المعلومات و المفاهيم .
ـ وفي البعد العملي يتطلب قياس المهارات و الأداءات و القدرات .
ـ و في البعد الوجداني يتطلب قياس المواقف و السلوكات من حيث الاتجاهات و الميول .
كيف نقوم الكفاءة ؟
لتقويم الكفاءة، لا يطرح المعلم سؤالا عن معرفة ما ، بل يقدم للتلميذ عملا معقدا نسبيا و يلاحظه أثناء الإنجاز ، فيدرك مدى تمثله لما طلب منه ، و نجاحه فيه بتجنيد معارفه و مهاراته، فيصدر المدرس حكما عن الكفاءات أثناء بنائها و يستنتج درجة امتلاك التلميذ لها .
فالكفاءة لا تقيم إلا عن طريق الأداء ( أي الإنتاج الملموس ) ، لذلك نكلف التلميذ بنشاط ما قصد تفعيلها و نعتبر النجاح في الانجاز ـ أو الفشل فيه ـ معطى للتقويم .
و لمزيد من الإجرائية في الممارسة التقييمية ، ينبغي أن يذكر المعلم الظروف التي يجب أن يظهر فيها السلوك المنتظر و مستوى الأداء و مقاييس التقييم ، فضلا عن تحديده للمدة و الوسائل اللازمة .
على العموم ، على المدرس أن يقترح وضعية مشكلة على التلميذ ، و يلاحظ أثناء الحل و الممارسة قصد وضع حصيلة للكفاءات التي اكتسبها المتعلم ، على أن تكون هذه الملاحظات دقيقة بعيدة عن الأحكام العامة.
أشكال التقويم :
التقويم التشخيصي :
من الضروري تشخيص حالة تطور كل متعلم ، و كذا مدى قدرته على استغلال مكتسباته القبلية ، إذن من المهم قبل الشروع في تقديم معارف جديدة ، أن نكون قادرين على معاينة حالة كل تلميذ بالنسبة للمجال المعرفي المقصود ، و ذلك من أجل بناء وضعيات تعلم أكثر ملاءمة ، و هذا ما نسميه تقويم تشخيصي .
التقويم التكويني :
يجري بملاحظة تصرفات التلميذ و إنتاجه أثناء تعامله مع الأنشطة ، و هذا النوع من التقويم لا يسمح بتحديد أخطاء التلاميذ فحسب ، بل بفهم أسبابها و تفسيرها ، و إعطائها معنى ، و استغلالها لتنمية و تطوير تعلماتهم أيضا . كما أن هذا النوع من التقويم لا يكتفي بالإطلاع على حالة معارف في لحظة ما ، بل يهدف إلى تمكين المعلم من جمع معلومات حول تطوير كفاءاتهم . مما يمكنه من مساعدة تلاميذه باقتراح أنشطة متنوعة ، هادفة و ملائمة ، تساعدهم على تجاوز الصعوبات التي تعترضهم .
إن هذا النوع من التقويم أساسي ، لأنه تقويم مرافق للتعلمات ويسمح للمعلم بضبط سيرورة التعليم / التعلم .
التقويم التحصيلي :
يتعلق الأمر بتقويم شامل و هو مطبق بانتظام في نهاية مجموعة حصص تعليمية/تعلمية حول مفهوم معين ، أو في نهاية مرحلة ، و الذي لا نهتم فيه بنتائج التلميذ فقط ، بل بإجراءاتهم أيضا ، فالمقاربة بالكفاءات ، تفرض تطوير المراقبة المطبقة سابقا على المعارف ، إلى مراقبة درجة اكتساب الكفاءات المستهدفة .
الخلاصة :
إن التقويم التربوي بالمفهوم الذي عرضناه يجعل النشاطات التربوية المختلفة عملية ديناميكية , تستلزم مشاركة فعالة من طرف تلاميذ القســـم و المدرس و الفريق التربوي و إدارة المدرسة عن طريق توفير الوسائل التربوية الضرورية من سحب , ووســـائل معينة مع تقديم توجيهات تربوية هادفة , و تكامل جهودهم للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة , ألا و هي إعداد المتعــلم إعدادا شاملا لجميع جوانب شخصيته , بل حتى الضعيف يستفيد فعلا من وجوده في المدرسة , انطلاقا من المفهوم الشــامل للتقويم التربوي , و هكذا نجد التقويم التربوي الموضوعي جزءا لا يتجزأ من العملية التربوية , بل يعتبـــر من الدعائم الأساسية لتحسين الأداء عند المعلم و المتعلم في آن واحد.